سورة النجم - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَآئِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ الَّلمَمَ} أما كبائر الإثم ففيها. خمسة أقاويل؛
أحدها: أنه الشرك بالله، حكاه الطبري.
الثاني: أنه ما زجر عنه بالحد، حكاه بعض الفقهاء.
الثالث: ما لا يكفر إلا بالتوبة، حكاه ابن عيسى.
الرابع: ما حكاه شرحبيل عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: «أن تدعو لله نداً وهو خلقك وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك»
الخامس: ما روى سعيد بن جبير أن رجلاً سأل ابن عباس عن الكبائر أسبع هي؟ قال: إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبعة، لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار، فكأنه يذكر أن كبائر الإثم ما لم يستغفر منه.

وأما (الفواحش) ففيها قولان:
أحدهما: أنها جميع المعاصي.
الثاني: أنها الزنى. وأما اللمم المستثنى ففيه ثمانية أقاويل:
أحدها: إلا اللمم الذي ألموا به في الجاهلية من الإثم والفواحش فإنه معفو عنه في الإسلام، قاله ابن زيد بن ثابت.
الثاني: هو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب منها، قاله الحسن ومجاهد.
الثالث: هو أن يعزم على المواقعة ثم يرجع عنها مقلعاً وقد روى عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمْ تغفر جَمَّاً *** وَأَي عَبْدٍ لَّكَ لاَ أَلَمَّا
الرابع: أن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة، قاله ابن مسعود، روى طاووس عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم من قول أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كَتَبَ اللَّهُ عَلَى كلِّ نَفْسٍ خَطَّهَا مِن الزّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنَينِ النَّظَرُ وَزِنَى الِلَّسَانِ المَنطِقُ وَهِيَ النَّفْسُ تُمَنّي وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوُ يُكَذِّبُه»
الخامس: أن اللمم الصغائر من الذنوب.
السادس: أن اللمم ما لم يجب عليه حد في الدنيا ولم يستحق عليه في الآخرة عذاب، قاله ابن عباس، وقتادة.
السابع: أن اللمم النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم، قاله بعض التابعين، فجعله ما لم يتكرر من الذنوب، واستشهد بقول الشاعر:
وما يستوي من لا يرى غير لمة *** ومن هو ناو غيرها لا يريمها
والثامن: أن اللمم النكاح، وهذا قول أبي هريرة.
وذكر مقاتل بن سليمان أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار كان له حانوت يبيع فيه تمراً، فجاءته امرأة تشتري منه تمراً، فقال لها: إن بداخل الدكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها عن نفسها، فأبت وانصرفت، فندم نبهان وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع، فقال:«لَعَلَّ زَوْجَهَا غَازٍ» فنزلت هذه الآية.

{وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ} يعني أنشأ آدم.
{وَإذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قال مكحول: في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شباباً فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شيوخاً لا أبالك فما بعد هذا تنتظر؟

{فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني لا تمادحوا، قاله ابن شوذب.
الثاني: لا تعملوا بالمعاصي وتقولوا نعمل بالطاعة، قاله ابن جريج. الثالث: إذا عملت خيراً فلا تقل عملت كذا وكذا.
ويحتمل رابعاً: لا تبادلوا قبحكم حسناً ومنكركم معروفاً.
ويحتمل خامساً: لا تراؤوا بعملكم المخلوقين لتكونوا عندهم أزكياء.
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} قال الحسن: قد علم الله كل نفس ما هي عاملة وما هي صانعة وإلى ما هي صائرة.


{أَفَرَءَيْتَ الَّذِي تَولَّى} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه العاص بن وائل السهمي، قاله السدي.
الثاني: أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، قاله مجاهد، كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه يسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما.
الثالث: أنه النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه وضمن له أن يتحمل مأثم رجوعه، قاله الضحاك.

{وَأعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه أعطى قليلاً من نفسه بالاستمتاع ثم أكدى بالانقطاع، قاله مجاهد.
الثاني: أطاع قليلاً ثم عصى، قاله ابن عباس.
الثالث: أعطى قليلاً من ماله ثم منع، قاله الضحاك.
الرابع: أعطى بلسانه وأكدى بقلبه، قاله مقاتل.

وفي {أَكْدَى} وجهان:
أحدهما: قطع، قاله الأخفش.
الثاني: منع، قاله قطرب.

{أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيبِ فَهُوَ يَرَى} فيه وجهان:
أحدهما: معناه أعلم الغيب فرأى أن ما سمعه باطل.
الثاني: أنزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقاً، قاله الكلبي.
ويحتمل ثالثاً: أعلم أن لا بعث، فهو يرى أن لا جزاء.

{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: وفّى عمل كل يوم بأربع ركعات في أول النهار، رواه الهيثم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يقول كلما أصبح وأمسى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِيْنَ تُمْسُونَ وَحِيْنَ تُصْبِحُونَ} الآية. رواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: وفيما أمر به من طاعة ربه، قاله ابن عباس.
الخامس: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لأنه كان بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة ابنه وأبيه فأول من خالفهم إبراهيم، قاله الهذيل.
السادس: أنه ما أُمر بأمر إلا أداه ولا نذر إلا وفاه، وهذا معنى قول الحسن.
السابع: وفَّى ما امتحن به من ذبح ابنه وإلقائة في النار وتكذيبه.


{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمنتَهَى} يحتمل وجهين:
أحدهما: إلى إعادتكم لربكم بعد موتكم يكون منتهاكم.

{وَأَنَّهُ هُوَ أضْحَكَ وَأَبْكَى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قضى أسباب الضحك والبكاء.
الثاني: أنه أراد بالضحك السرور، وبالبكاء الحزن.
والثالث: أنى خلق قوتي الضحك والبكاء، فإن الله ميز الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان، فليس في سائر الحيوان ما ضحك ويبكي غير الإنسان، وقيل إن القرد وحده يضحك ولا يبكي، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك.
ويحتمل وجهاً رابعاً: أن يريد بالضحك والبكاء النعم والنقم.

{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} فيه خمسة أوجه:
أحدها: قضى أسباب الموت والحياة.
الثاني: خلق الموت والحياة كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْمَوتَ وَالْحَيَاةَ} قاله ابن بحر.
الثالث: أن يريد بالحياة الخصب وبالموت الجدب.
الرابع: أمات بالمعصية وأحيا بالطاعة.
الخامس: أمات الآباء وأحيا الأبناء.
ويحتمل سادساً: أن يريد به أنام وأيقظ.

{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} وجهان:
أحدهما: إذا تخلق وتقدر، قاله الأخفش.
الثاني: إذا نزلت في الرحم، قاله الكلبي.

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} فيه ثمانية تأويلات:
أحدها: أغنى بالكفاية وأقنى بالزيادة، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني: أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال، قاله الضحاك.
الثالث: أغنى بالمال وأقنى بأن جعل لهم قنية، وهي أصول الأموال، قاله أبو صالح.
الرابع: أغنى بأن مَوّل وأقنى بأن حرم، قاله مجاهد.
الخامس: أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه، قاله سليمان التيمي.
السادس: أغنى من شاء وأفقر من شاء، قاله ابن زيد.
السابع: أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا، قاله سفيان.
الثامن: أغنى عن أن يخدم وأقنى أن يستخدم، وهذا معنى قول السدي.
ويحتمل تاسعاً: أغنى بما كسبه الإنسان في الحياة وأقنى بما خلفه بعد الوفاة مأخوذ من اقتناء المال وهو استبقاؤه.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} والشعرى نجم يضيء وراء الجوزاء، قال مجاهد: تسمى هوزم الجوزاء، ويقال إنه الوقاد، وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان رباً لغيره لأن العرب كانت تعبده فأعلموا أن الشعرى مربوب وليس برب.
واختلف فيمن كان يعبده فقال السدي: كانت تعبده حمير وخزاعة وقال غيره: أول من عبده أبو كبشة، وقد كان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر:
مضى أيلول وارتفع الحرور *** وأخبت نارها الشعرى العبور
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى} فيهم قولان:
أحدهما: أن عاد الأولى عاد بن إرم، وهم الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وعاداً الآخرة قوم هود.
الثاني: أن عاداً الأولى قوم هود والآخرة قوم كانوا بحضرموت، قاله قتادة.
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} والمؤتفكة المنقلبة بالخسف، قاله محمد بن كعب: هي مدائن قوم لوط وهي خمسة: صبغة وصغيرة وعمرة ودوماً وسدوم وهي العظمى، فبعث الله عليهم جبريل فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى أن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها بالحجارة كما قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حَجَارةً مِن سِجِّيْلٍ} قال قتادة: كانوا أربعة آلاف ألف.
{أَهْوَى} يحتمل وجهين: أحدهما: أن جبريل أهوى بها حين احتملها حتى جعل عاليها سافلها.
الثاني: أنهم أكثر ارتكاباً للهوى حتى حل بهم ما حل من البلاء.
{فَعَشَّاهَا مَا غَشَّى} يعني المؤتفكة، وفيما غشاها قولان:
أحدهما: جبريل حين قلبها.
الثاني: الحجارة حتى أهلكها.

{فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} وهذا خطاب للمكذب أي فبأي نعم ربك تشك فيما أولاك وفيما كفاك.
وفي قوله: {فَغَشَّاهَا} وجهان:
أحدهما: ألقاها.
الثاني: غطاها.

1 | 2 | 3